الرئيسية - أقاليم - صحيفة لندنية تكتب عن مبارك : مهندس الحوار وقائد المعركة الدبلوماسية للشرعية في اليمن
صحيفة لندنية تكتب عن مبارك : مهندس الحوار وقائد المعركة الدبلوماسية للشرعية في اليمن
الساعة 11:36 ص (راي اليمن /صحيفة العرب )

يقود وزير الخارجية اليمني أحمد عوض بن مبارك، ما يمكن وصفها بالمعركة الدبلوماسية الأخيرة للحكومة الشرعية التي تصارع أمواج تحولات سياسية وعسكرية واقتصادية عاتية في مرحلة شديدة الحساسية في تاريخ اليمن المعاصر، يمكن أن ترسم مستقبل النزاع الذي مر عليه سبع سنوات تقريبا منذ انقلاب الميليشيات الحوثية على الدولة في سبتمبر 2014.

ويؤكد العديد من المطلعين على الشأن اليمني أن ديناميكية الرجل وحنكته السياسية وطريقة تفكيره كأستاذ متخصص في إدارة الأعمال، إضافة إلى نفوذه داخل مؤسسة الشرعية وقربه من الرئيس عبدربه منصور هادي، كلها عوامل ساهمت في وقف عجلة الانهيار المتسارع في الأداء الدبلوماسي وملف العلاقات الخارجية في الحكومة اليمنية وبدء مسار جديد في إدارة الأزمة من خلال الانفتاح على القوى الإقليمية والدولية، وإيصال رؤية الحكومة المعترف بها دوليا إلى العالم.

وقد باشر بن مبارك نشاطه الدبلوماسي والسياسي والإعلامي منذ تعيينه وزيرا للخارجية وشؤون المغتربين في حكومة الكفاءات السياسية المنبثقة عن اتفاق الرياض في ديسمبر الماضي، حيث زار عواصم مجلس التعاون الخليجي وعددا من العواصم العربية والأوروبية الأخرى. وشهدت تلك الفترة وضوحا في طبيعة الخطاب السياسي للحكومة اليمنية، في ما يتعلق بمواقفها من الحوثيين ومقترحات السلام والمبادرات الإقليمية والدولية لإنهاء الحرب في اليمن التي قادها خلال الفترة الماضية المبعوثان الأممي والأميركي إلى اليمن.

الأكاديمي البعثي

بن مبارك يعدّ واحدا من أكثر الشخصيات التي يثق بها الرئيس هادي ويوكل إليها المهام الصعبة التي لا يمكن تعهيدها لأحد من المحيطين به من المحسوبين على النظام السابق الذين لا يثق بولائهم

ولد بن مبارك في مدينة عدن اليمنية، لأسرة من محافظة شبوة (شرق اليمن) تعود أصولها إلى منطقة شبام بمحافظة حضرموت في العام 1968 وهي الفترة التي شهدت مغادرة بريطانيا لجنوب اليمن وتمدد النفوذ اليساري الذي ألقى بظلاله الثقيلة على عدد من الأسر التي كانت تمتهن التجارة مثل والده عوض بن مبارك الذي غادر في نهاية الستينات إلى مدينة جيبوتي وكان حينها رجل أعمال بارز ووكيلاً لشركات "توشيبا" و"مولينيكس" وساعات "رولكس"، ضمن موجة نزوح طالت كل من كانوا يوصفون في تلك الحقبة بالبورجوازيين ويتم تأميم أموالهم.

وفي فترة مبكرة من حياته، لحق بن مبارك وأسرته في مطلع السبعينات بالوالد المهاجر إلى جيبوتي، حيث درس المراحل الدراسية الأساسية، قبل العودة مجددا إلى اليمن بعد إعلان الوحدة في العام 1990. وتلقى جزءاً من التعليم الثانوي ومرحلة الجامعة في العراق، كما حصل على الماجستير والدكتوراه من جامعة بغداد في إدارة الأعمال، وقد شهدت المرحلة العراقية من حياته أولى ملامح تشكل وعيه السياسي، حيث كان عضو شعبة في مكتب اليمن بحزب البعث العربي الاشتراكي، وأحد الوجوه الطلابية اليمنية البارزة في العراق، وقد تعمّق حضوره السياسي في تلك المرحلة المبكرة وتحديدا في السنة الثالثة من دراسته الجامعية، بعد تعرضه لحادث سير من قبل ابن وزير الثقافية والإعلام العراقي آنذاك وعضو القيادة القطرية لحزب البعث نصيف لطيف جاسم والذي زاره في المستشفى وأولاه عناية خاصة استمرت بعد ذلك لسنوات، بحسب ما يقول زملاؤه.

لم تترك فترة انتساب بن مبارك إلى حزب البعث آثاراً تذكر على شخصيته، بعد أن تخلى تماما عن العمل الحزبي في العام 1999 كما يقول، غير أن تلك التجربة أكسبته مهارة سياسية استفاد منها لاحقا وبشكل غير متوقع عندما بات يتصدر المشهد السياسي اليمني الذي كان بعيدا عن تفاعلاته المباشرة، حتى التحاقه في العام 2011 بالاحتجاجات الشعبية ضد نظام الرئيس السابق علي عبدالله صالح، ومشاركته في إدارة فعاليات الاحتجاجات بوصفه ممثلا عن شريحة الأكاديميين، وتظهر صور متداولة في الصحافة اليمنية مشاركته في التظاهرات خلال تلك الفترة، وسقوطه مغشياً عليه جراء استنشاقه الغازات المسيلة للدموع.

وفي الفترة ما بين عودته من العراق وحتى مشاركته في الاحتجاجات التي أطاحت بالرئيس صالح، انحصرت أنشطة بن مبارك في الجانب الأكاديمي الصرف، حيث عمل أستاذا مساعدا في عدد من الجامعات اليمنية، كمدرس لنظم إدارة الجودة  والإدارة الاستراتيجية وإدارة الإنتاج والعمليات ونظم المعلومات، كما ترأس مركز إدارة الأعمال للدراسات العليا بجامعة صنعاء وعمل مستشارا لعدد من المؤسسات الدولية في اليمن وخارجه، ورأس المجموعة الأكاديمية في رابطة الدول المطلة على المحيط الهندي وترأس وشارك في عضوية مجالس إدارات عدد من مؤسسات المجتمع المدني والقطاع الخاص.

في قلب العاصفة

فترة انتساب بن مبارك إلى حزب البعث لم تترك آثاراً تذكر على شخصيته، كما يقول، غير أنها أكسبته مهارة سياسية استفاد منها لاحقا وبشكل غير متوقع عندما بات يتصدر المشهد السياسي اليمني

تلك الأنشطة جعلته بعيدا عن المشهد السياسي وقريباً منه في نفس الوقت من خلال قربه من الوسط الدبلوماسي، الذي وضعه في نهاية المطاف كمرشح لإدارة دفة أكبر فعالية سياسية راهن عليها العالم لصنع انتقال آمن وسلس في اليمن بعد المبادرة الخليجية، عبر مؤتمر الحوار الوطني الشامل الذي تم تعيين بن مبارك في الـ18 من يناير 2013 أميناً عاماً له.

مثّل مؤتمر الحوار الوطني نقطة تحول فاصلة في مسيرة بن مبارك السياسية جعلته في قلب المشهد السياسي اليمني، وعلى تماس مباشر بالأمم المتحدة والمجتمع الدولي من جهة والرئاسة اليمنية وصناع القرار وقادة العمل السياسي والحزبي من جهة أخرى، وكما شكلت فترة الحوار نقطة مفصلية في حياته مثلت كذلك نقطة تحول في مسار التحولات السياسية اليمنية، حيث كان الرئيس هادي يخوض صراعا غير معلن مع سلفه صالح وسطوته على مؤسسات الدولة، وهو الأمر الذي جعل بن مبارك خيارا مناسبا للرئيس الجديد الذي كان يبحث عن حلفاء جدد يخوض بهم معركته في مواجهة الإرث السياسي والحزبي والعسكري للرئيس السابق.

وخلال فترة عمله كأمين عام لمؤتمر الحوار الوطني انكب بن مبارك على تعزيز رؤية الرئيس هادي لشكل المرحلة القادمة في اليمن وخصوصا ما يتعلق بالملفات الأكثر حساسية، مثل الدستور الجديد وعدد الأقاليم في الدولة الاتحادية، إلى جانب قضيتي الجنوب وصعدة والعدالة الانتقالية التي كانت ساحات صراع عنيف بين مختلف القوى والمكونات السياسية في تلك المرحلة.

وبالإضافة إلى دوره في إدارة عجلة الحوار، ترأس جنباً إلى جنب مع الأمم المتحدة لجنة التسيير وصندوق بناء السلام وقام بدور تيسيري للعديد من الجلسات الحاسمة في لجنة التوفيق واللجنة لمصغرة من فريق القضية الجنوبية خلال المراحل النهائية للمؤتمر، كما تم تعيينه عضواً ومقررا في أهم اللجان المنبثقة عن الحوار وهي لجنة تحديد الأقاليم التي حددت معالم اليمن الاتحادي الجديد.

عمّق أداء بن مبارك في هذا الملف من علاقته بالرئيس هادي الذي كان محاطا بالأعداء والحلفاء غير الصادقين، بما في ذلك قيادات حزبه التي كانت تدين بالولاء في الغالب لرئيس حزب المؤتمر صالح، وهو الأمر الذي دفع بن مبارك إلى العمل بشكل غير ملموس على تأسيس نواه قوة جديدة في المشهد من بين أعضاء الحوار بالدرجة الأولى تستند في الأساس على فكرة التغيير التي شارك فيها بقوة، وكادت تتحول إلى مشروع حزب سياسي جديد لم يكتمل بسبب التحولات المتسارعة.

بات بن مبارك أحد أكثر الشخصيات اليمنية قربا من الرئيس هادي وأحد أكثر الشخصيات التي يثق بها الرئيس ويوكل لها المهام الصعبة التي لا يمكن تعهيدها لأحد من المحيطين به من المحسوبين على النظام السابق الذين لا يثق بولائهم، وقد تعزّز موقعه بعد تعيينه مديرا لمكتب الرئيس وهي المرحلة التي شهدت تحوله إلى هدف مشترك للعديد من القوى والمكونات اليمنية التي رأت في وجوده بالقرب من الرئيس سببا في تسريع بعض الملفات التي كانت تثير انزعاج هذه القوى مجتمعة.

وبينما حمّل الرئيس السابق وأنصاره بن مبارك جزءاً من المسؤولية عن تفكيك نفوذ صالح في مؤسسات الدولة، وأثارت تحركات بن مبارك المتصلة بتمرير الدستور الجديد ونظام الأقاليم حفيظة الحوثيين، كما لم يخف حزب الإصلاح قلقه من هوية الرجل وخلفياته الثقافية وعلاقاته المتزايدة بالسلك الدبلوماسي والسفارات العاملة في اليمن واتساع نفوذه، وهذه الأمور مجتمعة تسببت في إجهاض قرار أصدره الرئيس هادي في أكتوبر 2014 بتكليف بن مبارك بتشكيل الحكومة الجديدة، بعد رفض الحوثيين والمؤتمر والإصلاح لهذا القرار.

بن مبارك يرى أن هناك موجة من "أزمة الهوية" تضرب اليمن، وقد أثار رأيه ذاك سيلا من الانتقادات، فيما أكد هو أنه أسيء فهمه، حيث كان يشير إلى أن ما يعيشه اليمن اليوم يؤكد ما قاله قبل سنوات عن "حدوث تهتك في الهوية الوطنية الجامعة ما دفع البعض إلى البحث عن هويات فرعية للتدثر بها"

امتص بن مبارك موجة الرفض لتعيينه رئيسا للحكومة، وقال إنه أمر لم يسع إليه ولم يرده وإنه اعتذر عنه في أول اجتماع رسمي مع مستشاري الرئيس ناقش الترشيحات لموقع رئيس الوزراء، لافتا إلى أنه تم ترشيحه لهذا المنصب "من قبل الحراك الجنوبي السلمي وليس من الرئيس".

ولم يمض الكثير من الوقت قبل أن يصطدم بتعقيدات المشهد السياسي اليمني الذي كان يتشكل بصورة مغايرة لما كانت تنبئ عنه جلسات الحوار الوطني واجتماعات لجنة كتابة الدستور وتحديد الأقاليم، فتعرض للخطف في الـ17 من يناير 2015 من قبل جماعة الحوثي بينما كان يحمل مشروع الدستور اليمني الجديد المنبثق عن مؤتمر الحوار لتقديمه إلى الهيئة الوطنية للرقابة على تنفيذ مخرجات الحوار الوطني للتصويت عليه. وقد أثارت هذه الحادثة كثيراً من التداعيات وردود الأفعال على المستويين اليمني والدولي، وبرّر الحوثيون اختطافه، في بيان بثته قناة "المسيرة" الحوثية، وأشارت فيه إلى أنه جرى "توقيف أحمد بن مبارك وهي خطوة اضطرارية، لقطع الطريق أمام أيّ محاولة انقلاب على اتفاق السلم والشراكة"، بينما أدانت الولايات المتحدة اختطافه وقالت السفارة الأميركية في اليمن "إن بن مبارك هو أحد الشخصيات البارزة خلال ثورة 2011"، فأفرج الحوثيون عنه بعد عشرة أيام من احتجازه، وتم تسليمه للشيخ عوض الوزير العولقي أحد مشايخ محافظة شبوة التي ينتمي إليها بن مبارك.

بن مبارك يرى أن هناك موجة من "أزمة الهوية" تضرب اليمن، وقد أثار رأيه ذاك سيلا من الانتقادات، فيما أكد هو أنه أسيء فهمه، حيث كان يشير إلى أن ما يعيشه اليمن اليوم يؤكد ما قاله قبل سنوات عن "حدوث تهتك في الهوية الوطنية الجامعة ما دفع البعض إلى البحث عن هويات فرعية للتدثر بها"

 

وضع الانقلاب الحوثي ومغادرة الرئاسة والحكومة اليمنية إلى خارج البلاد حدا لنشاط بن مبارك، مع تقلص هامش الحراك السياسي، نتيجة سيطرة الحوثيين على معظم مناطق اليمن، ويبدو أن هذا الجو الكئيب عزز من رغبته في الخروج من دائرة الضوء الإعلامي والتأثير السياسي التي اكتوى بنارها، وفي يوليو 2015 عيّن سفيرا لليمن في العاصمة واشنطن وسفيرا غير مقيم في البرازيل والمكسيك والأرجنتين، كما عيّن ممثلاً دائما لليمن في الأمم المتحدة، وهي الفترة التي يمكن وصفها بأنها استراحة محارب في مسيرة قصيرة محتشدة بالأحداث، غير أن تأثير الرجل كما تشير المصادر لم يتراجع، حيث ظل يلعب دورا يتجاوز منصبه كمجرد سفير من خلال ترشيحه لكثير من الشخصيات لتولي مناصب سياسية هامة تفوق ظاهريا من حيث أهميتها منصبه كسفير لليمن في واشنطن.

غير أن فترة البقاء في الظل لم تدم طويلا حيث تم استدعاؤه للمشاركة في الحكومة المنبثقة عن اتفاق الرياض كوزير للخارجية والمغتربين وهو المنصب الذي رفضه في مرات سابقة. ومع عودته إلى المشهد عادت سريعا الحملات التي تلاحقه.

بعض المواقف المنسوبة إليه تسببت بسيل من الانتقادات وردود الفعل، كما حين سرّبت معلومات عن دوره في بناء تيار جديد داخل المشهد السياسي اليمني، والعمل على بناء شكل من أشكال التأثير والقوة الناعمة داخل بنية مؤسسات الدولة اليمنية من خارج التيارات التقليدية. أو عندما اتهم بلعب دور محوري في تمرير مشروع الأقاليم.

وقد أثار تصريح لبن مبارك يتحدث فيه عن وجود "أزمة هوية" سيلا من الانتقادات، فيما يؤكد هو أن تصريحه أسيء فهمه، حيث كان يشير إلى أن ما يعيشه اليمن اليوم يؤكد ما قاله قبل سنوات عن "حدوث تهتك في الهوية الوطنية الجامعة ما دفع البعض إلى البحث عن هويات فرعية للتدثر بها".

  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً
كاريكاتير يجسد معاناة سكان تعز جراء الحصار
اتفاق استوكهولم
صلاة الحوثيين
الإغتيالات في عدن