حراك الأقيال والإصلاح الديني!
الساعة 04:41 م

 


في بدايات القرن السادس عشر، أطلق المُصلح الألماني «مارتن لوثر» مشروعه للإصلاح الديني في أوروبا، كانت حينها الكنيسة الأوروبية غارقة في الكهانة والانحرافات الدينية، والاستغلال القميء للدين لأطماع دنيوية بابوية وفقاً لناقديها.

اشتمل هذا المشروع «اللوثري» على 95 أطروحة، جميعها حوَتْ أفكاراً ناقدة للإجتهادات الكنُسية التي أساءت لروح الدين بنظر «لوثر»، وحوّلته إلى مصدرٍ للتسلّط والتكّسب، وغدت تلك الاجتهادات مع -مرور الزمن- مسلّمات دينية لا نقاش حولها، منها قُدسية البابا بدعوى تمثيله للإله على الأرض، فضلاً عن منحِه صكوك الغفران لـ «المذنبين»، والتي عُدّت النافذة الدينية لانتهاب أقوات الناس بذريعة منحهم صك قبول التوبة ورضا الرب وغفرانه! 

واجَه «لوثر» انتقادات واسعة من الكنيسة ومن أقرانه الرهبان والفلاسفة، وهو بالمناسبة عالم في اللاهوت، حتى أن الفيلسوف الهولندي «إيراسموس» ألّف كتاباً لمجابهة أفكار «لوثر» بعنوان «حرية الإرادة» رغم دور «إيراسموس» التنويري، وهو الأمر الذي دفع «لوثر» للرد عليه ومحاججته بكتاب حمل عنواناً نقيضاً «عبودية الإرادة».

كانت أطروحات «لوثر» بداية للتغيير الكبير الذي طرأ على دور الكنيسة في أوروبا، وحدّ من تغولها المخالف لنصوص الدين الصريحة، وقد زامن هذا الإصلاح الديني إصلاحاً سياسياً شاملاً غير وجه أوروبا، ووضع حداً للصراعات البينية، وهو ما اصطلح على تسميته بعصر النهضة، وقد كان له رواده وفلاسفته سواء أولئك الذين نقدوا الكنيسة من داخلها كـ «مارتن لوثر» و«دسيدريوس إيراسموس» أو الذين تجاوزوا ذلك كـ «باروخ سبينوزا» الذي نشر مؤلفاته الفلسفية دون تدوين اسمه عليها خشية غضب رجال الدين من أطروحاته المتجاوزة للمسلّمات العقدية.

تلك كانت تجربة إصلاح المسيحية، أما الدين الإسلامي، فلم يعد يخفى على أحد اليوم، أن «الهاشمية» ابتدعت ديناً موازٍ للدين الإسلامي الحنيف، تحت يافطة «العترة» و«آل البيت» ودعوى «الولاية» المنبثقة عنهما، وخرج منها -الهاشمية- من يبحث عن السلطة بدعوى إصلاح «أمة جدّه»، ومنذ ذلك الحين، تشكّل كيان موازٍ لكيان الدين الإسلامي، كيان قائم على معيار العصبية ووشائج القربى بالنبوّة، في تحريف صارخ لجوهر الدين الإسلامي وعالميته وتعاليمه. 

هذا الكيان الموازي توغل في بلدنا اليمن، عبر جناحيه الإرهابيين، «الرسي» وحامله «الزيدية» و«المهاجري» وحامله «الشافعية الصوفية»، وحدث ما حدث من حروب مدمرة ومذابح دموية لفرض عنصرية هذا الكيان على اليمنيين، تلك المجازر المروّعة باتت اليوم حاضرة في وجدان غالبية أقيال اليمن وأحراره، بفضل الوعي القومي اليمني المتنامي.

ومنذ بواكير ذلك التوغل الهاشمي، انبرى أقيال اليمن ومتنوريه لمواجه هذا الكيان الموازي، فكان القَيْل العلامة حسن الهمداني من أبرز من تصدوا لهذا الكهنوت العنصري الذي استغل الدين لأغراض شخصية سلالية انتهازية، وكان القَيْل العلامة نشوان الحميري من أشرس من واجهوا هذه الكهانة والصنَمية الهاشمية، واضعاً قاعدتين لهدم بنيان هذا الكيان: 
أولها أن النبوّة ليست سرمدية وقد انتهت بموت النبي محمد، وأن الإرتباط الجيني بالنبوة والانتفاع به هو صنَمية جديدة، وثانيها أن النبوّة لا تُورّث، وليس لها ورَثة كما يدّعي الكيان الهاشمي. هاتين القاعدتين كانتا الانطلاقة الأولى للإصلاح الديني، ومواجهة الكيان الهاشمي الموازي لكيان الإسلام، الكيان الذي أفسد الدين وحوّله إلى دكان للارتزاق به وبالنبي الكريم.

حراك القومية اليمنية (أقيال) الذي بدأ قبل عدة سنوات، كتجديد للحراك القومي اليمني الممتد عبر التاريخ، أضحى اليوم أهم حراك فكري ثقافي سياسي على الساحة اليمنية، لاسيما إذا ما نظرنا للمنطلقات الفكرية التي يقوم عليها هذا الحراك الشعبي، من استنهاض لروح الأمة اليمنية وعبقريتها المتفردة، وردم لفجوة قطيعتها مع ماضيها التليد وهويتها الحضارية، وتصحيح للسردية التاريخية المشوهة التي دجّنت العقل اليمني وأخرجته قسراً عن دائرة الفعل الحضاري. 
منطلقات تحررية تُعيد الاعتبار للشخصية القومية اليمنية وتضع مداميك راسخة للإنطلاق نحو مستقبل بناء اليمن الجمهوري المدني الاتحادي، على أسس العدالة المجتمعية والمواطنة المتساوية.

ومن المؤسف القول أن هذا الحِراك القومي واجه -ولا يزال- حملة مضادة وشرسة، لا لشيء سوى أن نشطاءه وضعوا يدهم على مكمن المعضلة اليمنية التاريخية، المتمثلة بالعصابة الهاشمية ومغذياتها الدينية الإرهابية، وعلى وجه التحديد خرافة «آل البيت» ونظرية «الحق الإلهي في الحكم» و«حصرية البَطنين» العنصرية. وقد واجهها الأقيال المتنورين بصلابة وصبر، وبالحجج الدامغة، لاسيما في بدايات انطلاقتهم القومية التجديدية.

دعوات الاصلاح الديني التي بدأت تنتشر مؤخراً بين الباحثين ورجال الدين في اليمن هي دون شك استجابة لحراك الأقيال الفكري التوعوي، كون هذا الحراك الشعبي أول من جدّد الدعوة لإصلاح الدين، وتطهيره من الشوائب التي علقت به على مر العصور، وتبيان الانحرافات التي أساءت لمبادئ الإسلام ومُثُله العُليا، لاسيما فرية «آل البيت» و«الولاية العلوية» وحتى «قرشية الخلافة»، وما يترتب على كل ذلك من تفضيلات سلالية عنصرية، دينية، سياسية، اجتماعية واقتصادية.

 إن الإصلاح الديني القائم على استعادة روح الإسلام الحنيف وتجديد فهم الدين وتقويم انحرافاته هو المدخل الأوحد للخروج من حالة الاحتراب المستمرة على مدار الــ 1200 سنة الماضية، وأزيد، ليس فقط على مستوى اليمن بل على مستوى العالم العربي والاسلامي، فلا يوجد حرب في اليمن وغيرها من الأقطار العربية إلا وكان الكيان الهاشمي الموازي طرفاً فيها، وليس أدل على ذلك ما يحدث راهناً في اليمن والعراق وسوريا، وهو ما يحتم على الباحثين ورجال الدين المتنورين في اليمن، لاسيما طلائعهم التنويرية، أمثال فهد سلطان وعبدالوهاب الحميقاني وأحمد البتيت، وغيرهم، المضي قُدماً لتنقية الدين الإسلامي الحنيف، وتخليصه من ظُلمة الكيان الهاشمي الموازي، وعنصريته وكدره.

لقد هدم الإصلاحي «مارتن لوثر» بأطروحاته الإصلاحية سلطتين، السلطة البابوية المتألهة، والسلطة الإقتصادية القائمة على استغلال الدين، وهو ذات الشيء الذي يسعى حراك الأقيال لهدمه، السلطة الهاشمية المستندة على دعوى الحق الإلهي في الحكم، وسلطة الجباية الهاشمية لانتهاب أقوات اليمنيين تحت مسمى «الخُمس» بدعوى خرافة «آل البيت»، ولسوف يتحقق هذا المسعى الوطني التحرري، وإنْ بعد حين.

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً
كاريكاتير يجسد معاناة سكان تعز جراء الحصار
اتفاق استوكهولم
صلاة الحوثيين
الإغتيالات في عدن